مجتمع بيرفكتّ | بعّثرة حرَوف
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اذهب الى الأسفل
هندسة الصمت
هندسة الصمت
..| اعضاء الشبكه |..
..| اعضاء الشبكه |..
مُشآركاتيّ : : 28
تاريخ التسجيل : 25/07/2012

في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية  في العصور الوسطى الإسلامية Empty في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية في العصور الوسطى الإسلامية

الأربعاء فبراير 13, 2013 11:40 am
في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية

في العصور الوسطى الإسلامية

د. فخري الوصيف

القحط أو الجدب ، أي احتباس المطر وما قد يؤدي إليه من مجاعات ، والسيول والفيضانات ، وتساقط البَرَد والثلج ، والزلازل ، والعواصف والصواعق ، وغارات الجراد والآفات ، والأوبئة ، والحرائق ، هي مصائب تلحق أشد الأذى بحياة الإنسان ووسطه الاجتماعي وبيئته الطبيعية ، وتسبب ما اصطلح على تسميته بـ"الكوارث" . ويتصل بذلك "الحوادث الطبيعية" ، ومادتها الظواهر الفلكية من خسوف وكسوف وتساقط نجوم ، وكذلك التقلبات المناخية المفاجئة من ثلج أو مطر في الصيف ، وشدة الحرّ أو قسوة البرد ، وغير ذلك من حوادث طبيعية كان الإنسان في العصور الوسطى يقف حيالها ، ولا يزال ، حائرا في تأويلها ، فهي إما نذر شر في أغلب الأحيان أو بشارات خير في بعضها الآخر .

ولقد حظي موضوع "الكوارث" و"الحوادث الطبيعية" باهتمام مؤرخي الإسلام ، ولكن تفاوتَ الاعتناء بالموضوع وكيفية التأريخ له من عصر إلى أخر ، ومن مؤرخ إلى مؤرخ ، ومن جنس إلى جنس تأريخي ، وذلك هو ما نبغي دراسته في موضوع تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية .

*****

المؤلفات التاريخية الأولى
يحتل الموضوع بشقيه مرتبة هامشية في المؤلفات الأولى في تاريخ الإسلام حتى منتصف القرن الثالث الهجري ، وهو أمر طبيعي ، لأن الاهتمام التأريخي خلال تلك الفترة تمحور حول السيرة النبوية وتراجم الصحابة والتابعين والفتوح الإسلامية ، ثم الأحداث التاريخية الكبرى مثل الفتنة ، وثورات الخوارج والشيعة ، وتأسيس الدولتين الأموية والعباسية ، إلى جانب أحداث سياسية أخرى ؛ ومن ثمَّ شغلت أخبار الكوارث والحوادث الطبيعية حيزا ضئيلا ، فهي تكاد تنحصر في ذكر عدد من القحوط والطواعين ، كعام الرمادة بالمدينة سنة 18هـ (= 639م) ، وطاعون عـَمـَواس بالشام في نفس العام المذكور ، وبعض الطواعين الأخرى التي وقعت بالعراق والشام ، إلى جانب سيل الجـُحاف بمكة سنة 80هـ (= 699م) . ونجد مصداق ذلك واضحا فيما وصلنا من كتابات ابن إسحاق (ت 151هـ = 768م) والواقدي (ت 207هـ = 823م) وابن هشام (ت 213هـ = 828م) ومحمد بن سعد (ت 230هـ = 845م) وابن خيـّاط (ت 240هـ = 855م) وابن قتيبة (276هـ = 889م) ، والبلاذري (ت 279هـ = 892م) وأبي حنيفة الدينوري (ت 282هـ = 895م) .

بيد أن هذه الكتابات ، وعلى وجه الخصوص المتعلقة منها بالسيرة النبوية وصدر الإسلام ، لها أهمية خاصة في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية من جهتين ، الأولى : أنها برصدها لبعض الكوارث والحوادث الطبيعية تقدم السياق التاريخي الذي تأسس عليه بعض قواعد السنة مثل صلاة الاستسقاء وصلاة الكسوف . فقد سنت صلاة الاستسقاء بعدما استسقى رسول الله (ص) بالناس على إثر شكوى أهل المدينة إليه من الجدب الذي أضر بالمدينة في العام السادس من الهجرة[1] ، وتكرر ذلك على عهد عمر بن الخطاب إبان عام الرمادة سنة 18هـ ، فاستسقى تأسيا بفعل رسول الله (ص) وكتب إلى عماله أن يخرجوا أيضا لذلك[2] ، وأصبحت صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة . وكذلك سُنت صلاة الخسوف في العام العاشر من الهجرة عندما تناهي إلى سمع رسول الله (ص) أن الناس تقول إن الشمس انكسفت بموت ابنه إبراهيم ، فقال : "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياة أحد ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى المساجد"[3].

ومن جهة ثانية ، نجد بدايات الأسلوب الوصفي التأثيري في السرد التأريخي لعدد من وقائع السيرة ، نذكر منها فيما يخص موضوعنا واقعة حصار كفار قريش للرسول (ص) وقومه بني هاشم في شِعْبهم . بدأ الحصار في العام السادس من المبعث ، واستمر الحصار ثلاث سنين "حتى بلغ القوم الجهد الشديد وحتى سمعوا صبيانهم يتضاعون من وراء الشـِعب"[4] ، وليس أكثر إيلاما على قلب إنسان طبيعي من سماع صراخ طفل شاكيا من الجوع ، ولهذا كان عدد من كفار قريش يرق لحال الصبيان ويحتال لإدخال الطعام للمحصورين[5] ، واستمر هكذا الحال حتى انتهي الحصار كما هو معلوم . كما تكثر العناصر التأثيرية في التأريخ لعام الرمادة ، وهي لاشك أداة تساهم في إبراز عمق الكارثة التي استمرت قرابة تسعة أشهر . من ذلك على سبيل المثال ما ذكر من شدة الجوع "حتى أن الناس كانوا يُـرَوْن يـَسْتـَفـّون الرمّة ويحفـِرون نـُفـَق اليراببع والجُـرْذان يـُخرجون ما فيها"[6] ، ويأكلون "جلد الميتة مشويا" "ورمّة العظام مسحوقة كانوا يـَسُـفـّونها"[7]. وأيضا نجد في هذه الكتابات الربط بين الحدث الطبيعي والحدث البشري كما بينا أعلاه فيما قيل عن انكساف الشمس بموت ابن رسول الله .

ورغم أن ابن واضح اليعقوبي (ت بعد سنة 292هـ = 905م) يقع في النطاق الزمني لأصحاب الكتابات التاريخية الأولي ، فإن "تاريخه" تفرد بذكر إشارات مهمة عن الكوارث والحوادث الطبيعية . على سبيل المثال يقول[8] :

1- في سنة 20هـ (= 640-641م) "كانت زلازل لم يُرَ مثلها" .

2- وفي آخر سنة 168هـ وأوائل سنة 169هـ (= 784-785م) أصاب الناس "وباء وموت كثير وظلمة وتراب أحمر كانوا يجدونه في فرشهم وعلى وجوههم" .

3- وفي سنة 257هـ (= 871م) "كانت في السماء نار عظيمة أخذت من المشرق إلى المغرب" ، وبعد أن جلت تلتها مع مطلع فجر الثالث والعشرين من رجب ، المقابل لحزيران "هدّة شديدة وزلزلة" .

4- في سنة 258هـ (= 871-872م) "وقع الوباء بالعراق ،فمات خلق من الخلق ، وكان الرجل يخرج من منزله فيموت قبل أن ينصرف ، فيقال إنه مات ببغداد في يوم واحد اثنا عشر ألف إنسان" .

5- وفي سنة 259هـ (= 872-873م) ، على الأرجح في أولها ، وقعت زلازل ورياح وظلمة" في البادية الواقعة حول المدينة ومكة ، فهرب أهل البادية إلى الحاضرتين يستجيرون بقبر رسول الله وبالكعبة ، وذكر أنه "هلك منهم خلق عظيم في البادية" .

6- وفي نفس العام المذكور ، 259هـ ، "تغير ماء نيل مصر حتى صار يضرب إلى الصفرة ، وأقام على هذه الحال أياما ثم رجع إلى ما كان عليه" .

وأول ما يلاحظ على الأخبار المذكورة أن اليعقوبي لم يذكر مصادرها ، وهي سمة عامة في تاريخه ، وهو وإن لم يذكر أماكن وقوع الأحداث في الأخبار الثلاثة الأولى ، وإن كان من المتوقع أنها كانت بالمشرق ، فإنه أثبتها في الأخبار الثلاثة الباقية ، كما يلاحظ أنه راعي كثيرا التدقيق الزمني للحدث الثالث حتى أنه ذكر الشهر المقابل من التقويم الميلادي ، ولعل هذا سببه أنه كان معاصرا للحدث . وكما هو واضح ، يصطنع اليعقوبي في عرضه أسلوبا تقريريا يتسم بالوضوح والمباشرة .


*****
خجول الكون
خجول الكون
..| اح ـلى أعضاء |..
..| اح ـلى أعضاء |..
مُشآركاتيّ : : 162
تاريخ التسجيل : 23/02/2013

في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية  في العصور الوسطى الإسلامية Empty رد: في تأريخية الكوارث والحوادث الطبيعية في العصور الوسطى الإسلامية

السبت فبراير 23, 2013 10:49 am
يسلمو على طرحك
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى