- نادر المغـوار..| اح ـلى أعضاء |..
- مُشآركاتيّ : : 601
تاريخ التسجيل : 12/08/2012
الكلام القاتل
الثلاثاء أغسطس 14, 2012 7:48 pm
الكلام القاتل
تهرب الفتاة الصغيرة إلى الشارع, عندما تصحو من نومها, على أصوات والديها وهما يتشاجران بقوة, فقد عاد والدها صباحاً من عمله الليلي الشاق والمتعب, ليجد زوجته مع شخص غريب وفي منزله, وبعد احتدام عنيف ونقاش عقيم, فقدت الأم صبرها وقتلت زوجها على غفلة منه, ودون أن تنتبه لوجود صغيرتها, وعندما رأى الصديق الغريب ذلك رحل منقذاً روحه ونفسه, أما الفتاة المسكينة فركضت نحو الشارع خائفة من أمها ومما رأته, وربما خوفها جعلها لا تعرف أين تذهب, وبالصدفة كنت أنا وصديقاتي في هذا المكان نشتري بعض المواد للخالة راوية, رأيتها تبكي عند الرصيف, وكانت ما تزال في ثوب النوم وحافية القدمين, طلبت منها أن تأتي نحوي, وبالفعل تقدمت إلي بكل هدوء, سألتها من أين جئت وأين بيتك لكنها لم ترد علي, ثم طلبت منها أن تركب معنا في السيارة, فقالت لي صديقتي وماذا سنفعل بها...؟؟ قلت سنضعها عند خالة سهيل في البيت الآخر, ستعتني بها جيداً, ريثما نجد أهلها, وطول الطريق وصديقتي تحاول التحدث معها, لكن عبث ومن دون فائدة, وكل ما عرفناه وفهمناه منها فقط, أن عمرها عشر سنوات, وصلنا بيتنا وأخيراً, وقبل أن تراها مشرفتنا معنا أخذتها عند خالة سهيل وشرحت لها الأمر, فطلبت بدورها من المسؤولة عن الفتيات, أخذها والاعتناء بها, وعدت أنا بعدما اطمأننت عليها بيتنا الجميل مع مشرفتنا الغاضبة دوماً الخالة راوية, لكنها كانت طيبة القلب وتحبنا كثيراً, ومرت ثلاث سنوات بسرعة كبيرة, أصبحت في الثامنة عشر من عمري, واليوم عيد ميلادي والاحتفال به هذه السنة كان سيء جداً, بسبب سوء الطقس في الخارج, وجميع دور الأيتام التي حولنا بعيدة عنا بعض الشيء, لذلك قضيت عيد ميلادي هذه السنة مع صديقاتي في الدور فقط, وهنّ روان وريما وصديقتي الحميمة رودي, وبعدما نام الجميع, صعدت السطح لأعطي الفتاة حصتها من الكيك, الفتاة التي وجدناها في الطريق, عندما مر وقت ولم يسأل أحد عنها, بقيت عند خالة سهيل وقد أسمتها نور, ومنذ ذلك الوقت وأنا ألتقي بها على السطح كي لا تراها خالة راوية وتحقق معي في أمرها, وفي هذا الوقت كانت أم الفتاة تبحث عنها لا لأجلها, بل لسر كان قد هرب معها, وأمها تريده تريد قتله قبل أن ينتشر يحطم لها حياتها أكثر من ذلك, فهي من ذلك اليوم بلا مأوى ولا أهل, حتى صديقها تركها وهرب منها أيضاً, حتى أنها فقدت عملها ومنزلها, أي فقدت كل حياتها, وهي تهرب من مكان لآخر هرباً مما تظن أن ابنتها قد قالته لمن أخذها من على الرصيف, قد تقول لهم ذلك السر الخطير, ويبدو أنها كانت تبحث عن مكاننا, فقد عرفت هويتنا عندما لحقت ابنتها ورأتنا نأخذها وقرأت إشارة السيارة التابعة لدور الأيتام, لكنها لم تعرف المكان في وقتها, والآن عرفته وقد أصبحت في مقربة من بيتنا في هذه الأيام السيئة الطقس, وكل ظنها أن ابنتها قالت لنا كل شيء, ولا تعرف أن ابنتها لم تقل بعد أي شيء مما في بالها, وأنها تعيش في بيت مجاور لنا, عند مشرفة لطيفة جداً ومع بنات من نفس عمرها, وكنت كلما ألقاها على السطح ونتبادل الإشارات بسرعة خوفاً من مشرفتي كنا نضحك من قلبنا, وفي الحقيقة أنا لا ألوم غضب مشرفتي وقلقها الدائم علي وعلى صديقاتي فنحن كنا أمانة عندها, كنا أربع فتيات في عمر الخطر وبحاجة لرعاية وعناية, وفي صباح ليلة عيد ميلادي المقيتة استيقظنا وفي صحبتنا الكسل والملل, ذهبنا إلى المطبخ لتناول الفطور, كما اعتدنا كل صباح, لكن كانت صديقتنا ريما لا تريد تناول الفطور, لأن معدتها كانت تؤلمها كثيراً, وحتى لو أخبرت المشرفة بذلك فلا مفر من تناوله, وعليها تناوله رغما عنها, فتقوم رودي بمساعدتها على التخلص من طعام الفطور, وعندما تعلم المشرفة بذلك تعاقبها بتنظيف المدخنة, وهو بالطبع أمر من باب المزاح, ففي النهاية على أحد ما منا أن يصعد وينظفها, وكانت هذه العقوبة سبباً لاختيار رودي أولاً, وبعد أن تذهب المشرفة إلى قيلولتها كما تفعل كل يوم بعد أن تلقي علينا محاضرات الأوامر, أصعد عند رودي السطح لأساعدها, والحمد لله تعالى لو أني تأخرت بضع ثوان, لكانت وقعت في المدخنة وكسرت رأسها, لكن الحمد لله تعالى لقد أمسكت بها في آخر لحظة, ثم قمت بمساعدتها في التنظيف, وعلى الطرف الأخر كانت نور تراقبنا وتضحك على مظهرنا الذي تكلل بالسواد, وقد تجاوزت الحائط وجاءت عندنا وقامت بمساعدتنا بعض الشيء, بينما المشرفة كانت قد استيقظت, وها هي تسأل عني وتقلق علي, فيخطر في بالها أني ربما كنت فوق عند رودي, فتصعد عندنا فأخبأ نور كي لا تراها, ثم تعاتبني بشدة لدرجة أني كدت أبكي, لأني صعدت هنا دون أذنها, فقلت لها إن تنظيف المدخنة خطر, ولا بد أن أبقى قربها وأساعدها خوفاً من أن تتأذى كما كان سيحدث منذ قليل, فضحكت وارتحت, وقالت لا بأس لكن كان عليك أن تخبريني أولاً كي لا ينشغل بالي عليك, فاعتذرت منها ونزلت وهي تضحك علينا, ولم أعرف لماذا فسألت رودي لكنها لم تجبني, فأشارت نور إلى وجهي, وعندما ضحكت رودي عرفت ما الأمر, عادت نور إلى بيتها وأنا ورودي انتهينا وأخيراً من التنظيف, بعدما أصبحت وجوهنا وملابسنا ليل آخر كظلام وهدوء هذه الليلة المقيتة كسابقتها كما يبدو من أولها, ذهبت رودي غرفتها لتستحم وأنا كذلك دخلت غرفتي, وكانت صديقتي في الغرفة تدرس كالعادة وكانت لا ترفع رأسها عن الكتاب أبداً, وكان ذلك يضايق المشرفة منها كثيراً, وبينما كنت أتحدث معها وهي خائفة من منظري وفي نفس الوقت تضحك علي, نسمع صوت صراخ رودي, فأركض إليها بينما روان لم تتحرك من مكانها, سألتها ما الأمر, قالت أنها وجدت ريما مقتولة, في الوهلة الأولى لم أعي كلامها, فقلتُ هل تمزحين, لكنها لم ترد علي, وركَضتْ نحو غرفة المشرفة ولم تجد أحد هناك, عادتْ إلي وقالت لي إن ريما مقتولة لمَ لا تصدقيني, يجب أن نجد المشرفة و نتصل بالشرطة, فقلت لها هدأي من روعك, أمتأكدة أنها ليست مزحة غليظة من مزحاتك, ما رأيك أن ندخل الغرفة لنراها من جديد, ربما تكونين مخطأة, فقالت لا, لن أدخل الغرفة اذهبي وحدك, فقلت لها أتمزحين أم لا بالله عليك أخبريني, ولم تجبني أبداً وهي ترتجف من الخوف, ولا أظن أن خوفها هذا مجرد مزحة, قلت لها هيا لندخل غرفتي ونخبر روان ونحضرها معنا, وعندما دخلنا غرفتي كانت روان كعادتها على الأرض, كما اعتادت أن تجلس لتدرس, لكنها كانت هادئة على غير عادتها, تقدمت نحوها بحذر وناديتها ولم تجبني, وعندما لمستها تمايل جسدها وتمدد على الأرض, فخفت وابتعدت عنها, ثم رأت رودي دمائها فصرخت وركضت لخارج الغرفة تبحث عن هاتف كي تتصل بالشرطة, وبعد قليل سمعت صوت صراخها من جديد, فخرجت بسرعة لأرى ما بها, فوجدت شخص يرتدي ثياب سوداء تغطي كل جسده, يحمل عصا طويلة حادة من طرفها, وقد غرسها في صدر رودي, فركضت بسرعة ودفعته بقوة, فوقع على الدرج وفي يده عصاه القاتلة, ثم أردت أخذ رودي ونهرب, فقالت لي لا, اهربي وحدك فأنا لن أستطيع ذلك, وفقدت الوعي ورأيت الرجل يتحرك فخفت وهربت بسرعة واختبأت, ولحسن حظي أن الشرطة جاءت بسرعة, يبدو أن أحد ما قد قام بإبلاغهم قبل أن تفعل رودي ذلك, ربما بعدما سمعوا صوت صراخ قادم من بيتنا, بينما كنت أنا ورودي فوق على السطح, لذلك لم نسمع شيء, وعندما دخلت الشرطة ونادت على من في البيت, قمت بالإجابة عليهم ودللتهم على مكاني, وأنا أكاد أموت من خوفي, وبينما أنهم لم يتمكنوا من العثور على القاتل, وجدوا جثة المشرفة التي خبأها القاتل في المدخنة, ولم تستطيع رودي أن تراها عندما دخلت الغرفة بسبب شدة خوفها, وقد عرفتُ الآن لم صعد دخان علينا منها ونحن ننظفها, فيبدو أنه في هذه اللحظة كان قد قتلها ووضعها في المدخنة, فتطايرت للأعلى غبرة الشحار, يا إلهي كان ذلك بسبب جثة المشرفة ونحن كنا نتساءل عن السبب, ونحن نضحك ونتسلى, نقل المسعفين الجثث من البيت, وبقيت أنا مع الضابط الذي أمر الرجال أن يحيطوا البيت بالكامل, فقد أخبرته أن لا سبيل له من الخروج إلا من الباب الأمامي, والذي من المؤكد أنه دخل منه لكن لا أعرف كيف دخل, فأنا لم أكن هنا تحت لقد كنت أنا وصديقتي رودي على السطح ننظف المدخنة, فقال مستغرباً إذاً المدخنة, لذلك منظرك كذلك, قلت أجل, فطلب مني أن أغتسل, ثم تابع الحديث معي عن أي شيء من الممكن أن يفيده في الوصول لأي شيء, وجلسنا في مكتب المشرفة, بينما بقية الرجال ما يزالون يواصلون البحث والمراقبة, وعندما مللت الجلوس في المكتب, خرجت أتمشى في الممر, ثم تفاجئت رغم كل تلك المراقبة والحذر, بوجوده عند أول الدرج, لكن كيف لم يراه أحد, هل لأنه كان شيء أسود مخيف, تقدم نحوي لكنه لم يستطع الاقتراب كثيراً خوفاً من رجال الشرطة في المكتب, فرمى عصاه الحادة نحوي, ودون أن يشعر انكشف الغطاء عن وجهه, وهنا كانت المفاجئة الكبرى, لقد كان القاتل امرأة, أبعدتُ العصا بيدي فقد كانت الرمية خفيفة, لكنها جرحتْ وبقوة, مما جعلني أصرخ من شدة ألمي, وعندما خرج رجال الشرطة على صوت صراخي هربت بسرعة البرق, قال لي الضابط من أين اتجاه هرب, قلت بل هربتْ, على أي حال لا أعرف فالألم لم يجعلني أنتبه في أي اتجاه هربت, بحث الرجال البيت كله ولم يجدوا لها أثر, وصعدوا السطح وفتشوه شبر, شبر, حتى أنهم فتشوا سطح البيت المجاور, وكان باب السطح مقفول فاستبعد الشرطي المسؤول أن تكون هربت منه, إذاً هي ما تزال هنا في مكان ما ولا بد أن نجدها, بينما أنا رجعت للمكتب وتمنيت لو أني لم أغادره, عدت أتألم خائفة غاضبة, وقلت للضابط إني أريد التوقف, فلم أعد أستطيع التحمل, أريد أن أنتهي من كل ذلك, أريد أي شيء يخرجني من هذا الكابوس, كل صديقاتي ماتوا ولم يعد لي أحد الآن, فقال خففي عنك قليلاً لم يبقى إلا القليل, أعدك بالقبض عليها ولو طال الأمر قليلاً, ألا تريدين القبض على من قتل صديقاتك, ثم تبسم وقال على فكرة لم تمت كل صديقاتك, قلت وماذا تعني, قال هناك واحدة مازالت تقاوم وأظن أنها ستنجو, قلت ومن هي, قال أظن كان اسمها رودي, فقلت يا الله يا كريم, إنها صديقتي الحميمة, أحمدك وأشكرك يا رب, والآن هل سنعود ونتعاون معاً للقبض على القاتلة, قلت أجل بالطبع, وبعد طول بحث لم يجد رجال الشرطة شيء, فجلس الضابط يفكر بما سيفعله بعد ذلك, ويسأل نفسه أين عساها تكون مختبئة, وبعد ساعات طويلة وبينما كان مشغول مع رجاله, فقدت صبري من جديد, ولم أعد أطيق الانتظار أكثر من ذلك, خرجت دون أن يشعر بي أحد, ثم ناديتها لتواجهني إن كانت تريد قتلي, وبالفعل بعد دقائق وجدتها ورائي, يبدو أنها ملت الانتظار أكثر مني, ولم يعد يهمها شيء, تريد الانتهاء من هذا الأمر فحسب, وبسرعة كبيرة صعدت بي إلى السطح, حيث كانت تختبئ منذ البداية, وبدأت بضربي لأعترف لها بشيء لم أفهمه, ولم أعرف ماهو, بينما هي كانت تستمر وتستمر بضربي, وتقول لي أين ابنتي وماذا قالت لك تكلمي, وبعدما فقدت أملها مني, حملت عصا حديدية كبيرة, وقالت لي ودعي حياتك, وبينما كانت تهم بضربي, جاء صراخ قوي من هناك من سطح البيت المجاور, جعلها تتوقف فجأة, إنه صراخ تلك الفتاة الصغيرة الصماء, أجل صرخت وسمعت صوتها يركض نحونا, تقدمت نحوي مباشرة وسألتني إن كنت بخير, بينما كانت أطراف نظراتها تمتد نحو المرأة بشيء من الغضب والشوق في نفس الوقت, كما أن المرأة قد بادلتها نفس تلك النظرات الغريبة, وكل ما قالته لها,غدير, ولم أجد الوقت أبداً كي أسألها عن الذي يحدث ومن تكون غدير, ولمَ توقفتْ المرأة عن ضربي فجأة عندما رأتَها, ولا حتى أن أعبر لها عن فرحتي بسماع صوتها, لأن الضابط عندما سمع صوت الصراخ, سأل رجاله أين ريمي ..!! فقال أحدهم أن الصوت قادم من السطح, وبثوان قليلة كان الجميع هنا ومنذ دخولهم قبضوا عليها كي لا تحاول الهرب مجدداً, وقال الضابط لها عندما لمح السواد على وجهها, إذاً كنت تختبئين في المدخنة, أعدك أن حسابك سيكون عسير جداً, خذوها من هنا, ثم سألني عن حالتي فقلت أنا بخير لا تقلق, قال لا بد أن ننقلك للمشفى, وبقيت نور في رعايته ريثما تتحسن حالتي, وبعد يومين خرجت من المشفى, وكانت نور قد أخبرت الضابط كل شيء عما حدث ذلك اليوم, وخلال التحقيق مع أمها أخبرها أنه الآن يعرف كل شيء, ثم قال لها غاضباً, ابنتك لم تقل شيء منذ خروجها من البيت منذ ذلك اليوم, فقد فقدت القدرة على الكلام عندما شاهدتك وأنت تقتلين والدها, لذلك لم تستطع أن تخبر أحد بالأمر, وبعد ثلاث سنوات أتيت أنت وجعلتها تستعيد القدرة على الكلام, على ذلك الكلام الذي أوقعك في شر أعمالك, والذي سيقتلك كما قتلت تلك الفتيات البريئات من أجله, وهن لا ذنب لهن, والذي سيقودك مباشرة إلى حبل الإعدام, عقابك الذي تستحقين أكثر منه, لقد جئت وأخرجت سرك, وبيدك حفرت قبرك, لذلك صدقيني وخذيه وعد مني سيكون عذابك كبير جداً وعسير جداً, وعند المساء ذهبت أنا ونور لرؤية صديقتنا رودي في المشفى, فقد سمحوا لنا وأخيراً برؤيتها, تقدمت نحوها بهدوء وبشوق كبير, واقترب صدى همساتي من عينيها الرائعة, وقلت لها أريد أن أعرفك على صديقة جديدة ستنضم لنا, قالت بعدما نظرت إلى نور, لكنها صديقتنا, قلت لا إنها جديدة الآن, قالت وكيف, فقلت لنور التي فضلت أن يبقى اسمها كذلك, أخبريها كيف, فتكلمت وقالت لها الحمد لله على سلامتك, لقد اشتقنا لك كثيراً, فانبهرت رودي وابتسمت رغم ألمها,
وقالت الحمد لله على كل شيء .......
تهرب الفتاة الصغيرة إلى الشارع, عندما تصحو من نومها, على أصوات والديها وهما يتشاجران بقوة, فقد عاد والدها صباحاً من عمله الليلي الشاق والمتعب, ليجد زوجته مع شخص غريب وفي منزله, وبعد احتدام عنيف ونقاش عقيم, فقدت الأم صبرها وقتلت زوجها على غفلة منه, ودون أن تنتبه لوجود صغيرتها, وعندما رأى الصديق الغريب ذلك رحل منقذاً روحه ونفسه, أما الفتاة المسكينة فركضت نحو الشارع خائفة من أمها ومما رأته, وربما خوفها جعلها لا تعرف أين تذهب, وبالصدفة كنت أنا وصديقاتي في هذا المكان نشتري بعض المواد للخالة راوية, رأيتها تبكي عند الرصيف, وكانت ما تزال في ثوب النوم وحافية القدمين, طلبت منها أن تأتي نحوي, وبالفعل تقدمت إلي بكل هدوء, سألتها من أين جئت وأين بيتك لكنها لم ترد علي, ثم طلبت منها أن تركب معنا في السيارة, فقالت لي صديقتي وماذا سنفعل بها...؟؟ قلت سنضعها عند خالة سهيل في البيت الآخر, ستعتني بها جيداً, ريثما نجد أهلها, وطول الطريق وصديقتي تحاول التحدث معها, لكن عبث ومن دون فائدة, وكل ما عرفناه وفهمناه منها فقط, أن عمرها عشر سنوات, وصلنا بيتنا وأخيراً, وقبل أن تراها مشرفتنا معنا أخذتها عند خالة سهيل وشرحت لها الأمر, فطلبت بدورها من المسؤولة عن الفتيات, أخذها والاعتناء بها, وعدت أنا بعدما اطمأننت عليها بيتنا الجميل مع مشرفتنا الغاضبة دوماً الخالة راوية, لكنها كانت طيبة القلب وتحبنا كثيراً, ومرت ثلاث سنوات بسرعة كبيرة, أصبحت في الثامنة عشر من عمري, واليوم عيد ميلادي والاحتفال به هذه السنة كان سيء جداً, بسبب سوء الطقس في الخارج, وجميع دور الأيتام التي حولنا بعيدة عنا بعض الشيء, لذلك قضيت عيد ميلادي هذه السنة مع صديقاتي في الدور فقط, وهنّ روان وريما وصديقتي الحميمة رودي, وبعدما نام الجميع, صعدت السطح لأعطي الفتاة حصتها من الكيك, الفتاة التي وجدناها في الطريق, عندما مر وقت ولم يسأل أحد عنها, بقيت عند خالة سهيل وقد أسمتها نور, ومنذ ذلك الوقت وأنا ألتقي بها على السطح كي لا تراها خالة راوية وتحقق معي في أمرها, وفي هذا الوقت كانت أم الفتاة تبحث عنها لا لأجلها, بل لسر كان قد هرب معها, وأمها تريده تريد قتله قبل أن ينتشر يحطم لها حياتها أكثر من ذلك, فهي من ذلك اليوم بلا مأوى ولا أهل, حتى صديقها تركها وهرب منها أيضاً, حتى أنها فقدت عملها ومنزلها, أي فقدت كل حياتها, وهي تهرب من مكان لآخر هرباً مما تظن أن ابنتها قد قالته لمن أخذها من على الرصيف, قد تقول لهم ذلك السر الخطير, ويبدو أنها كانت تبحث عن مكاننا, فقد عرفت هويتنا عندما لحقت ابنتها ورأتنا نأخذها وقرأت إشارة السيارة التابعة لدور الأيتام, لكنها لم تعرف المكان في وقتها, والآن عرفته وقد أصبحت في مقربة من بيتنا في هذه الأيام السيئة الطقس, وكل ظنها أن ابنتها قالت لنا كل شيء, ولا تعرف أن ابنتها لم تقل بعد أي شيء مما في بالها, وأنها تعيش في بيت مجاور لنا, عند مشرفة لطيفة جداً ومع بنات من نفس عمرها, وكنت كلما ألقاها على السطح ونتبادل الإشارات بسرعة خوفاً من مشرفتي كنا نضحك من قلبنا, وفي الحقيقة أنا لا ألوم غضب مشرفتي وقلقها الدائم علي وعلى صديقاتي فنحن كنا أمانة عندها, كنا أربع فتيات في عمر الخطر وبحاجة لرعاية وعناية, وفي صباح ليلة عيد ميلادي المقيتة استيقظنا وفي صحبتنا الكسل والملل, ذهبنا إلى المطبخ لتناول الفطور, كما اعتدنا كل صباح, لكن كانت صديقتنا ريما لا تريد تناول الفطور, لأن معدتها كانت تؤلمها كثيراً, وحتى لو أخبرت المشرفة بذلك فلا مفر من تناوله, وعليها تناوله رغما عنها, فتقوم رودي بمساعدتها على التخلص من طعام الفطور, وعندما تعلم المشرفة بذلك تعاقبها بتنظيف المدخنة, وهو بالطبع أمر من باب المزاح, ففي النهاية على أحد ما منا أن يصعد وينظفها, وكانت هذه العقوبة سبباً لاختيار رودي أولاً, وبعد أن تذهب المشرفة إلى قيلولتها كما تفعل كل يوم بعد أن تلقي علينا محاضرات الأوامر, أصعد عند رودي السطح لأساعدها, والحمد لله تعالى لو أني تأخرت بضع ثوان, لكانت وقعت في المدخنة وكسرت رأسها, لكن الحمد لله تعالى لقد أمسكت بها في آخر لحظة, ثم قمت بمساعدتها في التنظيف, وعلى الطرف الأخر كانت نور تراقبنا وتضحك على مظهرنا الذي تكلل بالسواد, وقد تجاوزت الحائط وجاءت عندنا وقامت بمساعدتنا بعض الشيء, بينما المشرفة كانت قد استيقظت, وها هي تسأل عني وتقلق علي, فيخطر في بالها أني ربما كنت فوق عند رودي, فتصعد عندنا فأخبأ نور كي لا تراها, ثم تعاتبني بشدة لدرجة أني كدت أبكي, لأني صعدت هنا دون أذنها, فقلت لها إن تنظيف المدخنة خطر, ولا بد أن أبقى قربها وأساعدها خوفاً من أن تتأذى كما كان سيحدث منذ قليل, فضحكت وارتحت, وقالت لا بأس لكن كان عليك أن تخبريني أولاً كي لا ينشغل بالي عليك, فاعتذرت منها ونزلت وهي تضحك علينا, ولم أعرف لماذا فسألت رودي لكنها لم تجبني, فأشارت نور إلى وجهي, وعندما ضحكت رودي عرفت ما الأمر, عادت نور إلى بيتها وأنا ورودي انتهينا وأخيراً من التنظيف, بعدما أصبحت وجوهنا وملابسنا ليل آخر كظلام وهدوء هذه الليلة المقيتة كسابقتها كما يبدو من أولها, ذهبت رودي غرفتها لتستحم وأنا كذلك دخلت غرفتي, وكانت صديقتي في الغرفة تدرس كالعادة وكانت لا ترفع رأسها عن الكتاب أبداً, وكان ذلك يضايق المشرفة منها كثيراً, وبينما كنت أتحدث معها وهي خائفة من منظري وفي نفس الوقت تضحك علي, نسمع صوت صراخ رودي, فأركض إليها بينما روان لم تتحرك من مكانها, سألتها ما الأمر, قالت أنها وجدت ريما مقتولة, في الوهلة الأولى لم أعي كلامها, فقلتُ هل تمزحين, لكنها لم ترد علي, وركَضتْ نحو غرفة المشرفة ولم تجد أحد هناك, عادتْ إلي وقالت لي إن ريما مقتولة لمَ لا تصدقيني, يجب أن نجد المشرفة و نتصل بالشرطة, فقلت لها هدأي من روعك, أمتأكدة أنها ليست مزحة غليظة من مزحاتك, ما رأيك أن ندخل الغرفة لنراها من جديد, ربما تكونين مخطأة, فقالت لا, لن أدخل الغرفة اذهبي وحدك, فقلت لها أتمزحين أم لا بالله عليك أخبريني, ولم تجبني أبداً وهي ترتجف من الخوف, ولا أظن أن خوفها هذا مجرد مزحة, قلت لها هيا لندخل غرفتي ونخبر روان ونحضرها معنا, وعندما دخلنا غرفتي كانت روان كعادتها على الأرض, كما اعتادت أن تجلس لتدرس, لكنها كانت هادئة على غير عادتها, تقدمت نحوها بحذر وناديتها ولم تجبني, وعندما لمستها تمايل جسدها وتمدد على الأرض, فخفت وابتعدت عنها, ثم رأت رودي دمائها فصرخت وركضت لخارج الغرفة تبحث عن هاتف كي تتصل بالشرطة, وبعد قليل سمعت صوت صراخها من جديد, فخرجت بسرعة لأرى ما بها, فوجدت شخص يرتدي ثياب سوداء تغطي كل جسده, يحمل عصا طويلة حادة من طرفها, وقد غرسها في صدر رودي, فركضت بسرعة ودفعته بقوة, فوقع على الدرج وفي يده عصاه القاتلة, ثم أردت أخذ رودي ونهرب, فقالت لي لا, اهربي وحدك فأنا لن أستطيع ذلك, وفقدت الوعي ورأيت الرجل يتحرك فخفت وهربت بسرعة واختبأت, ولحسن حظي أن الشرطة جاءت بسرعة, يبدو أن أحد ما قد قام بإبلاغهم قبل أن تفعل رودي ذلك, ربما بعدما سمعوا صوت صراخ قادم من بيتنا, بينما كنت أنا ورودي فوق على السطح, لذلك لم نسمع شيء, وعندما دخلت الشرطة ونادت على من في البيت, قمت بالإجابة عليهم ودللتهم على مكاني, وأنا أكاد أموت من خوفي, وبينما أنهم لم يتمكنوا من العثور على القاتل, وجدوا جثة المشرفة التي خبأها القاتل في المدخنة, ولم تستطيع رودي أن تراها عندما دخلت الغرفة بسبب شدة خوفها, وقد عرفتُ الآن لم صعد دخان علينا منها ونحن ننظفها, فيبدو أنه في هذه اللحظة كان قد قتلها ووضعها في المدخنة, فتطايرت للأعلى غبرة الشحار, يا إلهي كان ذلك بسبب جثة المشرفة ونحن كنا نتساءل عن السبب, ونحن نضحك ونتسلى, نقل المسعفين الجثث من البيت, وبقيت أنا مع الضابط الذي أمر الرجال أن يحيطوا البيت بالكامل, فقد أخبرته أن لا سبيل له من الخروج إلا من الباب الأمامي, والذي من المؤكد أنه دخل منه لكن لا أعرف كيف دخل, فأنا لم أكن هنا تحت لقد كنت أنا وصديقتي رودي على السطح ننظف المدخنة, فقال مستغرباً إذاً المدخنة, لذلك منظرك كذلك, قلت أجل, فطلب مني أن أغتسل, ثم تابع الحديث معي عن أي شيء من الممكن أن يفيده في الوصول لأي شيء, وجلسنا في مكتب المشرفة, بينما بقية الرجال ما يزالون يواصلون البحث والمراقبة, وعندما مللت الجلوس في المكتب, خرجت أتمشى في الممر, ثم تفاجئت رغم كل تلك المراقبة والحذر, بوجوده عند أول الدرج, لكن كيف لم يراه أحد, هل لأنه كان شيء أسود مخيف, تقدم نحوي لكنه لم يستطع الاقتراب كثيراً خوفاً من رجال الشرطة في المكتب, فرمى عصاه الحادة نحوي, ودون أن يشعر انكشف الغطاء عن وجهه, وهنا كانت المفاجئة الكبرى, لقد كان القاتل امرأة, أبعدتُ العصا بيدي فقد كانت الرمية خفيفة, لكنها جرحتْ وبقوة, مما جعلني أصرخ من شدة ألمي, وعندما خرج رجال الشرطة على صوت صراخي هربت بسرعة البرق, قال لي الضابط من أين اتجاه هرب, قلت بل هربتْ, على أي حال لا أعرف فالألم لم يجعلني أنتبه في أي اتجاه هربت, بحث الرجال البيت كله ولم يجدوا لها أثر, وصعدوا السطح وفتشوه شبر, شبر, حتى أنهم فتشوا سطح البيت المجاور, وكان باب السطح مقفول فاستبعد الشرطي المسؤول أن تكون هربت منه, إذاً هي ما تزال هنا في مكان ما ولا بد أن نجدها, بينما أنا رجعت للمكتب وتمنيت لو أني لم أغادره, عدت أتألم خائفة غاضبة, وقلت للضابط إني أريد التوقف, فلم أعد أستطيع التحمل, أريد أن أنتهي من كل ذلك, أريد أي شيء يخرجني من هذا الكابوس, كل صديقاتي ماتوا ولم يعد لي أحد الآن, فقال خففي عنك قليلاً لم يبقى إلا القليل, أعدك بالقبض عليها ولو طال الأمر قليلاً, ألا تريدين القبض على من قتل صديقاتك, ثم تبسم وقال على فكرة لم تمت كل صديقاتك, قلت وماذا تعني, قال هناك واحدة مازالت تقاوم وأظن أنها ستنجو, قلت ومن هي, قال أظن كان اسمها رودي, فقلت يا الله يا كريم, إنها صديقتي الحميمة, أحمدك وأشكرك يا رب, والآن هل سنعود ونتعاون معاً للقبض على القاتلة, قلت أجل بالطبع, وبعد طول بحث لم يجد رجال الشرطة شيء, فجلس الضابط يفكر بما سيفعله بعد ذلك, ويسأل نفسه أين عساها تكون مختبئة, وبعد ساعات طويلة وبينما كان مشغول مع رجاله, فقدت صبري من جديد, ولم أعد أطيق الانتظار أكثر من ذلك, خرجت دون أن يشعر بي أحد, ثم ناديتها لتواجهني إن كانت تريد قتلي, وبالفعل بعد دقائق وجدتها ورائي, يبدو أنها ملت الانتظار أكثر مني, ولم يعد يهمها شيء, تريد الانتهاء من هذا الأمر فحسب, وبسرعة كبيرة صعدت بي إلى السطح, حيث كانت تختبئ منذ البداية, وبدأت بضربي لأعترف لها بشيء لم أفهمه, ولم أعرف ماهو, بينما هي كانت تستمر وتستمر بضربي, وتقول لي أين ابنتي وماذا قالت لك تكلمي, وبعدما فقدت أملها مني, حملت عصا حديدية كبيرة, وقالت لي ودعي حياتك, وبينما كانت تهم بضربي, جاء صراخ قوي من هناك من سطح البيت المجاور, جعلها تتوقف فجأة, إنه صراخ تلك الفتاة الصغيرة الصماء, أجل صرخت وسمعت صوتها يركض نحونا, تقدمت نحوي مباشرة وسألتني إن كنت بخير, بينما كانت أطراف نظراتها تمتد نحو المرأة بشيء من الغضب والشوق في نفس الوقت, كما أن المرأة قد بادلتها نفس تلك النظرات الغريبة, وكل ما قالته لها,غدير, ولم أجد الوقت أبداً كي أسألها عن الذي يحدث ومن تكون غدير, ولمَ توقفتْ المرأة عن ضربي فجأة عندما رأتَها, ولا حتى أن أعبر لها عن فرحتي بسماع صوتها, لأن الضابط عندما سمع صوت الصراخ, سأل رجاله أين ريمي ..!! فقال أحدهم أن الصوت قادم من السطح, وبثوان قليلة كان الجميع هنا ومنذ دخولهم قبضوا عليها كي لا تحاول الهرب مجدداً, وقال الضابط لها عندما لمح السواد على وجهها, إذاً كنت تختبئين في المدخنة, أعدك أن حسابك سيكون عسير جداً, خذوها من هنا, ثم سألني عن حالتي فقلت أنا بخير لا تقلق, قال لا بد أن ننقلك للمشفى, وبقيت نور في رعايته ريثما تتحسن حالتي, وبعد يومين خرجت من المشفى, وكانت نور قد أخبرت الضابط كل شيء عما حدث ذلك اليوم, وخلال التحقيق مع أمها أخبرها أنه الآن يعرف كل شيء, ثم قال لها غاضباً, ابنتك لم تقل شيء منذ خروجها من البيت منذ ذلك اليوم, فقد فقدت القدرة على الكلام عندما شاهدتك وأنت تقتلين والدها, لذلك لم تستطع أن تخبر أحد بالأمر, وبعد ثلاث سنوات أتيت أنت وجعلتها تستعيد القدرة على الكلام, على ذلك الكلام الذي أوقعك في شر أعمالك, والذي سيقتلك كما قتلت تلك الفتيات البريئات من أجله, وهن لا ذنب لهن, والذي سيقودك مباشرة إلى حبل الإعدام, عقابك الذي تستحقين أكثر منه, لقد جئت وأخرجت سرك, وبيدك حفرت قبرك, لذلك صدقيني وخذيه وعد مني سيكون عذابك كبير جداً وعسير جداً, وعند المساء ذهبت أنا ونور لرؤية صديقتنا رودي في المشفى, فقد سمحوا لنا وأخيراً برؤيتها, تقدمت نحوها بهدوء وبشوق كبير, واقترب صدى همساتي من عينيها الرائعة, وقلت لها أريد أن أعرفك على صديقة جديدة ستنضم لنا, قالت بعدما نظرت إلى نور, لكنها صديقتنا, قلت لا إنها جديدة الآن, قالت وكيف, فقلت لنور التي فضلت أن يبقى اسمها كذلك, أخبريها كيف, فتكلمت وقالت لها الحمد لله على سلامتك, لقد اشتقنا لك كثيراً, فانبهرت رودي وابتسمت رغم ألمها,
وقالت الحمد لله على كل شيء .......
- neymar jr..| اح ـلى أعضاء |..
- مُشآركاتيّ : : 801
تاريخ التسجيل : 15/08/2013
العمر : 26
رد: الكلام القاتل
السبت أغسطس 17, 2013 7:09 pm
مشكور
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى