- عاشق الليل..| اح ـلى أعضاء |..
- مُشآركاتيّ : : 240
تاريخ التسجيل : 08/06/2012
نصرة الدين / فتيات الصحابة
السبت يونيو 09, 2012 7:16 pm
نصرة الدين / فتيات الصحابة
إن من تكريم الله تبارك وتعالى للناس أن حمَّلهم مسؤولية نصرة الدين
والقيام به، ولو شاء تبارك وتعالى لتحقق ذلك بقدرة خارقة دون أن يكلف الناس
بذلك، وهو تبارك وتعالى غني عن خلقه ((ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ
لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)) (محمد 4).
وحين نهى تبارك وتعالى عباده عن التخلي عن هذا الواجب أو التقصير في القيام
به أخبر أن البديل ليس خارقة أو معجزة ((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ))(محمد 38). لذا
فقد شعر المسلمون أن على كل فرد منهم حظه من المسؤولية عن القيام بنصرة دين
الله والذبِّ عنه، وأصبحت قضية الإسلام والمسلمين قضية تشغل الجميع
ويعيشها الجميع، وليست خاصة بفئةٍ دون أخرى، وأن اختلاف طبيعة الفرد ودوره
لا يلغي واجبه في المشاركة والقيام بالعبء. ومن ثم كان للنساء دور لا ينكر
في نصرة الدين، ففي حادث الهجرة -وهو من أخطر حوادث السيرة وأعمقها أثراً
في مسيرة الدعوة الإسلامية- تسجل أسماء بنـت أبي بكـر -رضي الله عنهما- هذا
الموقف الفريد. لقد بلغت قيمة هذا الموقف أن صارت تعرف بهذا اللقب، وحين
عيَّر الجاهلون ابن الزبير بذلك قال مقولته المشهورة: وعيرني الواشون أني
أحبها وتلك شكاة زائل عنك عارها وحين غادر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه
مكة دخل عليها جدها ليطمئن على أحوالهم فماذا كان منها؟ عن ابن عبد الله
بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف
درهم أو ستة آلاف درهم، قالت: وانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت:
قلت: كلا يا أبت؛ إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً
فتركتها فوضعتها في كوة البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوباً،
ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه،
فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا لكم بلاغ، قالت: لا
والله ما ترك لنا شيئاً، ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك(رواه أحمد) .
وحين يقرأ المسلم هذا الموقف ويعود إلى واقعه المعاصر ليقارن، يرى هذا
البون الشاسع، ويدرك أن ثمة قطيعة هائلة بين الأمة وتاريخها، وأن واقعها
يعجز عن الوفاء بكثير من تبجيلها للتاريخ وإعلائها لشأنه، ويطرح المسلم بعد
ذلك بجدٍ هذا السؤال: ما قيمة الدين في نفوسنا؟ هاهي فتاة في مقتبل العمر
لها مطالب الناس وهمومهم وحاجاتهم، ومع ذلك تتخلى عن مالها وترضى أن تعيش
هذه العيشة. لقد كان بإمكانها أن تطلب من أبيها أن يترك لهم شيئاً من
النفقة، وأن تذكِّره بواجبه تجاههم ولن يعيقه ذلك كله عن هجرته أو يصده
عنها، لكنها لم تفعل شيئاً من ذلك لأنها تعيش هماً آخر وعالماً آخر، وتدرك
أن القضية أكبر من أن تشغل والدها بهذه المطالب. وحين نورد هذا النموذج
وأمثاله للجيل اليوم فإن ذلك ليس دعوة لهم ليضعوا أنفسهم ضمن قائمة
الجائعين والمعوزين، ولا ليحكموا على أنفسهم بالفقر وعيشة البؤساء، لكنها
دعوة لأن نراجع أنفسنا ونسأل عن قيمة الدين لدينا وعن منـزلته في نفوسنا،
وما مدى استعدادنا للتضحية في سبيل الله؟ وليكون ذلك خطاباً صريحاً لأولئك
الذين يريدون نصرة الدين وهم لا يملكون هذه المعاني، دعوة لهم لأن يحققوها
في أنفسهم أو يبحثوا لهم عن طريق آخر غير هذا الطريق الذي لا يسلكه إلا
الجادون الأقوياء. ونلمس في حادث الهجرة أمراً له أهميته ودلالته، فلم تكن
قضية أسماء نتاج موقف أملاه مجرد قربها من بيت النبوة حين كانت ابنة
الصديق، بل نلمس بعداً آخر مع ذلك في هذه القضية، فحادث الهجرة حادث فريد
وخطير وهو يتعلق بمستقبل الدعوة آنذاك، نجد أنه يسهم في هذا العمل فتاة في
ريعان الشباب ألا وهي أسماء رضي الله عنها، وشاب تصفه أمه بأنه ثَقِف لقن
ألا وهو عبدالله بن أبي بكر، وشاب آخر هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
ومع أولئك راعي غنم هو ابن فهيرة، إذاً فقد كانت قضيةً عاشها الجميع،
وشاركها المجتمع بكافة فئاته. وهاهي فاطمة -رضي الله عنها- تسجل موقفاً
آخر: عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون
إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها
فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم فلما سجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه
وسلم ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى
فاطمة -رضي الله عنها- وهي جويرية، فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه
وسلم ساجداً حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الصلاة قال:«اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم
عليك بقريش» ثم سمى:«اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد»
قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب
بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«وأتبع أصحاب القليب لعنة»(رواه
البخاري ومسلم). وحين أدركن -رضوان الله عليهن- أهمية الجهاد وعلو منـزلته
ودوره في نصرة الدين، تطلعن أن يضربن من ذلك بسهم، وأن يكون لهن مشاركة في
هذا الميدان. فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت استأذنت النبي
صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال:«جهادكن الحج»(رواه البخاري). وعنها
-رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله، ألا
نجاهد معك؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لك أحسن الجهاد
وأجمله الحج حج مبرور»، فقالت عائشة: فلا أدع الحج أبداً بعد أن سمعت هذا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم(رواه أحمد). وسارت نساء المسلمين بعد ذلك
على الطريق نفسه، وأدركن أن مهمتهن لا تقف عند حد المطالب الشخصية، وتنوعت
الوسائل والأعمال التي تقوم بها النساء في نصرة الدين. فهاهي أم سليم -رضي
الله عنها- تكون سبباً في إسلام أبي طلحة -رضي الله عنه-، فعن أنس -رضي
الله عنه- قال:خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد،
ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك
مهري وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط
كانت أكرم مهراً من أم سليم الإسلام، فدخل بها فولدت له(رواه النسائي). وعن
عمران -رضي الله عنه- قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا
أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر
منها…فقال اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو
سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس
هذه الساعة ونفرنا خلوفاً، قالا لها: انطلقي إذاً، قالت: إلى أين؟ قالا:
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو
الذي تعنين فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاه
الحديث، قال فاستنـزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء
ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو سطيحتين وأوكأ أفواههما وأطلق العزالي،
ونودي في الناس اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن
أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال:»اذهب فأفرغه عليك«، وهي قائمة
تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها
أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :»اجمعوا
لها«، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها
وقد حفظ التاريخ نماذج من النساء اللاتي كان لهن دور لا ينكر في الدعوة
والوعظ لبني جنسهن ومنهن عائشة بنت إبراهيم الواعظة العالمة المسندة، قال
ابن السمعاني:سألت الحافظ إسماعيل، فقال: امرأة صالحة، تعظ النساء. وكان
لنساء المسلمين عبر التاريخ جهد في تعليم العلم، وتدريس كتاب الله تبارك
وتعالى، فهذه فاطمة بنت زعبل قال عنها أبو سعد السمعاني: امرأة صالحة عالمة
تعلم الجواري القرآن، سمعت من عبدالغافر جميع صحيح مسلم، وغريب الحديث
للخطابي وغير ذلك. وقال عنها الذهبي: الشيخة العالمة المقرئة الصالحة
المعمرة. وفاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلوية قال عنها ابن كثير :«وكانت
واعظة لها رباط تجتمع فيه الزاهدات». وأم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح
بن محمد البغدادية قال عنها ابن كثير:« وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر
بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مواخاتهم النساء
والمردان، وتنكر أحوالهم وأحوال أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا يقدر
عليه الرجال، وهي التي ختمت نساء كثيراً القرآن، منهم أم زوجتي عائشة بنت
صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أم الرحيم
زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته آمين». وتتساءل الفتاة المسلمة
اليوم حين ترى هذه النماذج: وماذا عساها أن تصنع؟ وما الدور الذي يمكن أن
تقوم به في نصرة الدين وهي امرأة لها طبيعتها وحياتها الخاصة؟ إنها مجالات
وميادين كثيرة، منها: 1- أن تُعِدُّ أبناءها وتحسن رعايتهم وتغرس هذه
المعاني في نفوسهم، وهي حين تصنع ذلك تقوم بجهد يعجز أن يقوم به أو أن
يحققه غيرها . 2 - في محيطها وعالمها الخاص وهي تلميذة أو جارة أو قريبة،
حين تحمل النصيحة والكلمة الطيبة والدعوة الصادقة فهي تقدم جهداً لا ينكر
في نصرة دينها. إن المسلم الغيور اليوم ليدركه الأسى حين يتأمل واقع الفتاة
المسلمة التي نشأت في بيت يدين بالإسلام ولكنها تصبح وتمسي فيه على
المسلسل الساقط والغناء الماجن، ولا ترى في بيتها إلا اللهو والعبث. والأمر
لا يحتاج إلى مزيد فقه وعلم، وليس كما نتصوره جهد معقد لا يجيده إلا
الخاصة من الناس، بل حين تأخذ الفتاة بيد صاحبتها وزميلتها وتتحدث معها عن
خطورة طريق الفساد، وأن الله فتح للمنيبين طريق التوبة، أو حين تأخذ بيديها
لتجلس مع صاحباتها الأخيار، أو تشاركهن في نشاط المصلى والجمعية المدرسية
لترى نموذجاً من القدوة الحسنة الصالحة، أو حين تخط بيدها رسالة مناصحة
لطيفة، أو تهدي لها شريطاً أو كتاباً ينوب عنها في إيصال الرسالة والموعظة،
إنها حين تفعل هذا أو ذاك ربما كتب الله على يديها الهداية والصلاح لإحدى
زميلاتها، أو على الأقل تكون قد أدت الأمانة وقامت بالواجب. 3 - أو حين
تكون معلمة تدرس فتيات المسلمين وتقابلهم صباح مساء، فلها حينذاك دور أيما
دور. كم من فتاة من فتيات المسلمين اليوم قد أصيبت بالغفلة والإعراض، وهي
مع ذلك تملك فطرة طيبة صالحة، وحين يمن الله عليها بمعلمة ناصحة تدرك وترعى
الأمانة و المسؤولية وتحمل في قلبها الغيرة على الحرمات، وتقوم بدور
التوجيه، فتسمع منها الكلمة الناصحة، وترى فيها العاطفة الصادقة. إن فتاة
الإسلام حين يمن الله عليها بهذه أو تلك فثمة أمل في تجاوزها هذا المنعطف
والمسلك الذي أراده أعداؤها لها. وكم في مدارسنا اليوم من هؤلاء المعلمات
الصالحات، فحين يدركن دورهن ورسالتهن ويقمن بهذا الواجب فإنهن يؤدين دوراً
لا ينكر في نصرة الدين، ويسرن على خطى أسماء وعائشة وفاطمة رضوان الله
عليهن. 4 - وحين تكون زوجة لرجل أخذ على عاتقه القيام بأعباء الدعوة إلى
الله ونصرة الدين، فتكون خير معين وسند له في القيام بعبء الدعوة، فتهيئ له
البيت الهادئ المريح، وتعنى بأولاده ورعايتهم، وتقف خلفه مثبتة ومؤيدة
وناصرة كما كانت خديجة -رضي الله عنها- تقف مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قائلة له:»والله لا يخزيك الله أبداً«(رواه البخاري ومسلم).
إن من تكريم الله تبارك وتعالى للناس أن حمَّلهم مسؤولية نصرة الدين
والقيام به، ولو شاء تبارك وتعالى لتحقق ذلك بقدرة خارقة دون أن يكلف الناس
بذلك، وهو تبارك وتعالى غني عن خلقه ((ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ
لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)) (محمد 4).
وحين نهى تبارك وتعالى عباده عن التخلي عن هذا الواجب أو التقصير في القيام
به أخبر أن البديل ليس خارقة أو معجزة ((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ
قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ))(محمد 38). لذا
فقد شعر المسلمون أن على كل فرد منهم حظه من المسؤولية عن القيام بنصرة دين
الله والذبِّ عنه، وأصبحت قضية الإسلام والمسلمين قضية تشغل الجميع
ويعيشها الجميع، وليست خاصة بفئةٍ دون أخرى، وأن اختلاف طبيعة الفرد ودوره
لا يلغي واجبه في المشاركة والقيام بالعبء. ومن ثم كان للنساء دور لا ينكر
في نصرة الدين، ففي حادث الهجرة -وهو من أخطر حوادث السيرة وأعمقها أثراً
في مسيرة الدعوة الإسلامية- تسجل أسماء بنـت أبي بكـر -رضي الله عنهما- هذا
الموقف الفريد. لقد بلغت قيمة هذا الموقف أن صارت تعرف بهذا اللقب، وحين
عيَّر الجاهلون ابن الزبير بذلك قال مقولته المشهورة: وعيرني الواشون أني
أحبها وتلك شكاة زائل عنك عارها وحين غادر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه
مكة دخل عليها جدها ليطمئن على أحوالهم فماذا كان منها؟ عن ابن عبد الله
بن الزبير أن أباه حدثه عن جدته أسماء بنت أبي بكر قالت لما خرج رسول الله
صلى الله عليه وسلم وخرج معه أبو بكر احتمل أبو بكر ماله كله معه خمسة آلاف
درهم أو ستة آلاف درهم، قالت: وانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو
قحافة وقد ذهب بصره فقال: والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت:
قلت: كلا يا أبت؛ إنه قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً
فتركتها فوضعتها في كوة البيت كان أبي يضع فيها ماله، ثم وضعت عليها ثوباً،
ثم أخذت بيده فقلت: يا أبت، ضع يدك على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه،
فقال: لا بأس إن كان قد ترك لكم هذا فقد أحسن وفي هذا لكم بلاغ، قالت: لا
والله ما ترك لنا شيئاً، ولكني قد أردت أن أسكن الشيخ بذلك(رواه أحمد) .
وحين يقرأ المسلم هذا الموقف ويعود إلى واقعه المعاصر ليقارن، يرى هذا
البون الشاسع، ويدرك أن ثمة قطيعة هائلة بين الأمة وتاريخها، وأن واقعها
يعجز عن الوفاء بكثير من تبجيلها للتاريخ وإعلائها لشأنه، ويطرح المسلم بعد
ذلك بجدٍ هذا السؤال: ما قيمة الدين في نفوسنا؟ هاهي فتاة في مقتبل العمر
لها مطالب الناس وهمومهم وحاجاتهم، ومع ذلك تتخلى عن مالها وترضى أن تعيش
هذه العيشة. لقد كان بإمكانها أن تطلب من أبيها أن يترك لهم شيئاً من
النفقة، وأن تذكِّره بواجبه تجاههم ولن يعيقه ذلك كله عن هجرته أو يصده
عنها، لكنها لم تفعل شيئاً من ذلك لأنها تعيش هماً آخر وعالماً آخر، وتدرك
أن القضية أكبر من أن تشغل والدها بهذه المطالب. وحين نورد هذا النموذج
وأمثاله للجيل اليوم فإن ذلك ليس دعوة لهم ليضعوا أنفسهم ضمن قائمة
الجائعين والمعوزين، ولا ليحكموا على أنفسهم بالفقر وعيشة البؤساء، لكنها
دعوة لأن نراجع أنفسنا ونسأل عن قيمة الدين لدينا وعن منـزلته في نفوسنا،
وما مدى استعدادنا للتضحية في سبيل الله؟ وليكون ذلك خطاباً صريحاً لأولئك
الذين يريدون نصرة الدين وهم لا يملكون هذه المعاني، دعوة لهم لأن يحققوها
في أنفسهم أو يبحثوا لهم عن طريق آخر غير هذا الطريق الذي لا يسلكه إلا
الجادون الأقوياء. ونلمس في حادث الهجرة أمراً له أهميته ودلالته، فلم تكن
قضية أسماء نتاج موقف أملاه مجرد قربها من بيت النبوة حين كانت ابنة
الصديق، بل نلمس بعداً آخر مع ذلك في هذه القضية، فحادث الهجرة حادث فريد
وخطير وهو يتعلق بمستقبل الدعوة آنذاك، نجد أنه يسهم في هذا العمل فتاة في
ريعان الشباب ألا وهي أسماء رضي الله عنها، وشاب تصفه أمه بأنه ثَقِف لقن
ألا وهو عبدالله بن أبي بكر، وشاب آخر هو علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
ومع أولئك راعي غنم هو ابن فهيرة، إذاً فقد كانت قضيةً عاشها الجميع،
وشاركها المجتمع بكافة فئاته. وهاهي فاطمة -رضي الله عنها- تسجل موقفاً
آخر: عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم
قائم يصلي عند الكعبة وجمع قريش في مجالسهم إذ قال قائل منهم: ألا تنظرون
إلى هذا المرائي؟ أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد إلى فرثها ودمها وسلاها
فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه؟ فانبعث أشقاهم فلما سجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعه بين كتفيه، وثبت النبي صلى الله عليه
وسلم ساجداً فضحكوا حتى مال بعضهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلق إلى
فاطمة -رضي الله عنها- وهي جويرية، فأقبلت تسعى وثبت النبي صلى الله عليه
وسلم ساجداً حتى ألقته عنه، وأقبلت عليهم تسبهم، فلما قضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الصلاة قال:«اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم
عليك بقريش» ثم سمى:«اللهم عليك بعمرو بن هشام وعتبة بن ربيعة وشيبة بن
ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط وعمارة بن الوليد»
قال عبدالله: فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب
بدر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«وأتبع أصحاب القليب لعنة»(رواه
البخاري ومسلم). وحين أدركن -رضوان الله عليهن- أهمية الجهاد وعلو منـزلته
ودوره في نصرة الدين، تطلعن أن يضربن من ذلك بسهم، وأن يكون لهن مشاركة في
هذا الميدان. فعن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت استأذنت النبي
صلى الله عليه وسلم في الجهاد فقال:«جهادكن الحج»(رواه البخاري). وعنها
-رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم :يا رسول الله، ألا
نجاهد معك؟ فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«لك أحسن الجهاد
وأجمله الحج حج مبرور»، فقالت عائشة: فلا أدع الحج أبداً بعد أن سمعت هذا
من رسول الله صلى الله عليه وسلم(رواه أحمد). وسارت نساء المسلمين بعد ذلك
على الطريق نفسه، وأدركن أن مهمتهن لا تقف عند حد المطالب الشخصية، وتنوعت
الوسائل والأعمال التي تقوم بها النساء في نصرة الدين. فهاهي أم سليم -رضي
الله عنها- تكون سبباً في إسلام أبي طلحة -رضي الله عنه-، فعن أنس -رضي
الله عنه- قال:خطب أبو طلحة أم سليم فقالت: والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد،
ولكنك رجل كافر وأنا امرأة مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك، فإن تسلم فذاك
مهري وما أسألك غيره، فأسلم فكان ذلك مهرها. قال ثابت: فما سمعت بامرأة قط
كانت أكرم مهراً من أم سليم الإسلام، فدخل بها فولدت له(رواه النسائي). وعن
عمران -رضي الله عنه- قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم وإنا
أسرينا حتى كنا في آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلى عند المسافر
منها…فقال اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا فتلقيا امرأة بين مزادتين أو
سطيحتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس
هذه الساعة ونفرنا خلوفاً، قالا لها: انطلقي إذاً، قالت: إلى أين؟ قالا:
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت: الذي يقال له الصابئ؟ قالا: هو
الذي تعنين فانطلقي، فجاءا بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحدثاه
الحديث، قال فاستنـزلوها عن بعيرها ودعا النبي صلى الله عليه وسلم بإناء
ففرغ فيه من أفواه المزادتين أو سطيحتين وأوكأ أفواههما وأطلق العزالي،
ونودي في الناس اسقوا واستقوا، فسقى من شاء واستقى من شاء، وكان آخر ذاك أن
أعطى الذي أصابته الجنابة إناء من ماء، قال:»اذهب فأفرغه عليك«، وهي قائمة
تنظر إلى ما يفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها وإنه ليخيل إلينا أنها
أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :»اجمعوا
لها«، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة حتى جمعوا لها طعاما فجعلوها
وقد حفظ التاريخ نماذج من النساء اللاتي كان لهن دور لا ينكر في الدعوة
والوعظ لبني جنسهن ومنهن عائشة بنت إبراهيم الواعظة العالمة المسندة، قال
ابن السمعاني:سألت الحافظ إسماعيل، فقال: امرأة صالحة، تعظ النساء. وكان
لنساء المسلمين عبر التاريخ جهد في تعليم العلم، وتدريس كتاب الله تبارك
وتعالى، فهذه فاطمة بنت زعبل قال عنها أبو سعد السمعاني: امرأة صالحة عالمة
تعلم الجواري القرآن، سمعت من عبدالغافر جميع صحيح مسلم، وغريب الحديث
للخطابي وغير ذلك. وقال عنها الذهبي: الشيخة العالمة المقرئة الصالحة
المعمرة. وفاطمة بنت الحسين بن الحسن بن فضلوية قال عنها ابن كثير :«وكانت
واعظة لها رباط تجتمع فيه الزاهدات». وأم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح
بن محمد البغدادية قال عنها ابن كثير:« وكانت من العالمات الفاضلات، تأمر
بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتقوم على الأحمدية في مواخاتهم النساء
والمردان، وتنكر أحوالهم وأحوال أهل البدع وغيرهم، وتفعل من ذلك ما لا يقدر
عليه الرجال، وهي التي ختمت نساء كثيراً القرآن، منهم أم زوجتي عائشة بنت
صديق، زوجة الشيخ جمال الدين المزي، وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي أم الرحيم
زينب رحمهن الله وأكرمهن برحمته وجنته آمين». وتتساءل الفتاة المسلمة
اليوم حين ترى هذه النماذج: وماذا عساها أن تصنع؟ وما الدور الذي يمكن أن
تقوم به في نصرة الدين وهي امرأة لها طبيعتها وحياتها الخاصة؟ إنها مجالات
وميادين كثيرة، منها: 1- أن تُعِدُّ أبناءها وتحسن رعايتهم وتغرس هذه
المعاني في نفوسهم، وهي حين تصنع ذلك تقوم بجهد يعجز أن يقوم به أو أن
يحققه غيرها . 2 - في محيطها وعالمها الخاص وهي تلميذة أو جارة أو قريبة،
حين تحمل النصيحة والكلمة الطيبة والدعوة الصادقة فهي تقدم جهداً لا ينكر
في نصرة دينها. إن المسلم الغيور اليوم ليدركه الأسى حين يتأمل واقع الفتاة
المسلمة التي نشأت في بيت يدين بالإسلام ولكنها تصبح وتمسي فيه على
المسلسل الساقط والغناء الماجن، ولا ترى في بيتها إلا اللهو والعبث. والأمر
لا يحتاج إلى مزيد فقه وعلم، وليس كما نتصوره جهد معقد لا يجيده إلا
الخاصة من الناس، بل حين تأخذ الفتاة بيد صاحبتها وزميلتها وتتحدث معها عن
خطورة طريق الفساد، وأن الله فتح للمنيبين طريق التوبة، أو حين تأخذ بيديها
لتجلس مع صاحباتها الأخيار، أو تشاركهن في نشاط المصلى والجمعية المدرسية
لترى نموذجاً من القدوة الحسنة الصالحة، أو حين تخط بيدها رسالة مناصحة
لطيفة، أو تهدي لها شريطاً أو كتاباً ينوب عنها في إيصال الرسالة والموعظة،
إنها حين تفعل هذا أو ذاك ربما كتب الله على يديها الهداية والصلاح لإحدى
زميلاتها، أو على الأقل تكون قد أدت الأمانة وقامت بالواجب. 3 - أو حين
تكون معلمة تدرس فتيات المسلمين وتقابلهم صباح مساء، فلها حينذاك دور أيما
دور. كم من فتاة من فتيات المسلمين اليوم قد أصيبت بالغفلة والإعراض، وهي
مع ذلك تملك فطرة طيبة صالحة، وحين يمن الله عليها بمعلمة ناصحة تدرك وترعى
الأمانة و المسؤولية وتحمل في قلبها الغيرة على الحرمات، وتقوم بدور
التوجيه، فتسمع منها الكلمة الناصحة، وترى فيها العاطفة الصادقة. إن فتاة
الإسلام حين يمن الله عليها بهذه أو تلك فثمة أمل في تجاوزها هذا المنعطف
والمسلك الذي أراده أعداؤها لها. وكم في مدارسنا اليوم من هؤلاء المعلمات
الصالحات، فحين يدركن دورهن ورسالتهن ويقمن بهذا الواجب فإنهن يؤدين دوراً
لا ينكر في نصرة الدين، ويسرن على خطى أسماء وعائشة وفاطمة رضوان الله
عليهن. 4 - وحين تكون زوجة لرجل أخذ على عاتقه القيام بأعباء الدعوة إلى
الله ونصرة الدين، فتكون خير معين وسند له في القيام بعبء الدعوة، فتهيئ له
البيت الهادئ المريح، وتعنى بأولاده ورعايتهم، وتقف خلفه مثبتة ومؤيدة
وناصرة كما كانت خديجة -رضي الله عنها- تقف مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم قائلة له:»والله لا يخزيك الله أبداً«(رواه البخاري ومسلم).
- MiMo Des...| أداره الشركه |..
- مُشآركاتيّ : : 1066
تاريخ التسجيل : 06/06/2012
العمر : 24
الموقع : في قلوب أحبآبي ،،
رد: نصرة الدين / فتيات الصحابة
الثلاثاء يونيو 12, 2012 8:00 am
بارك الله فيك أخي
..
..
- الماس2..| اح ـلى أعضاء |..
- مُشآركاتيّ : : 406
تاريخ التسجيل : 12/06/2012
رد: نصرة الدين / فتيات الصحابة
الخميس يونيو 14, 2012 9:17 pm
شكرا
بالتوفيق للجميع
مشكووووووووووووووووووووووووور
بالتوفيق للجميع
مشكووووووووووووووووووووووووور
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى